العقد النفسية .......تعلم كيف تتخطاها

لكل واحد منا عقد ظاهرة أو خفية، فالبعض يجد نفسه بديناً جداً، والبعض الآخر بطيئاً جداً أو غير لامع... خلال فترة المراهقة يكون ذلك طبيعياً جداً لأنه جزء من تركيبة الفرد؛ لكن في مرحلة البلوغ يصبح الوضع أكثر خطورة لأن عدم الثقة بالنفس قد يؤدي إلى مشاكل متعددة مهنياً وعائلياً وعاطفياً... ويحتمل أن يفضي في نهاية المطاف إلى حالة من الاكتئاب الخطير.

يشير معالجون نفسيون إلى أن العقدة النفسية عبارة عن «صورة عاطفية حية عن وضع نفسي مكبوت؛ صورة لا تتماشى مع الأطباع الواعية للمرء وواقعه الفعلي. تتمتع هذه العقدة بقدرة كبيرة على الإقناع من الناحية الداخلية وبنوع من السيطرة والاستقلالية: من الصعب إخضاعها للتفكير المنطقي العقلاني الواعي فهي تتصرف وكأن لها حياة خاصة. إذا بذل المرء جهداً كبيراً وتمتع بإرادة قوية، يمكنه التخفيف من هذه العقدة أو السيطرة عليها، لكنه لا يستطيع أبداً انتزاعها من جذورها والقضاء عليها فهي تظهر مجدداً وبقوة كبيرة عند أول فرصة سانحة»

ما هي العقدة النفسيّة؟

ليست العقدة النفسية رد فعل موضوعياً على افتقارنا إلى صفة معينة، أو معاناتنا من عيب معين، فلو كانت هذه هي الحال، لتمكنت جراحات التجميل من وضع حد لعدد من العقد المرتبطة بالمظهر الخارجي. في هذا السياق، يُشار إلى أن العقدة النفسية الحقيقية لا تختفي بعد إجراء جراحة تجميل للأنف مثلاً. ثمة فارق بين مسألتين، أن تجد المرأة أن أنفها كبير جداً وبين أن يسبب لها ذلك عقدة نفسية.

وغالباً ما يكون الأشخاص معقّدين بسبب عقد غير موجودة إلا في مخيلتهم. هم يواجهون مشكلة في التواصل مع المجتمع والاندماج فيه. لهذا تظهر لديهم عقد نفسية وليس العكس. بالتالي غالباً ما تكون العقدة النفسية عارضاً يتطور لتبرير هذه الصعوبة الكبيرة في الاندماج. جميعنا شاهدنا فتيات جميلات وشباناً وسيمين يعانون من الوحدة وتتآكلهم العقد النفسية، في حين أن أخريات وآخرين أقل منهم جمالاً ووسامة يشعرون بالسعادة وهم محاطون بالأصدقاء.

فترة المراهقة

المراهقة هي الأرض الخصبة لظهور العقد النفسية وخصوصاً تلك المرتبطة بالمظهر والشكل الخارجي. ففي هذه السن يبحث المرء عن هويته وهي فترة يحتاج فيها إلى الاطمئنان باستمرار إلى مظهره من خلال المحيطين به. كذلك في معظم الأحيان يتماهى المراهق بوالده أو بوالدته فيصعب عليه تشكيل هويته الخاصة.

جسدنا صورة وقناع. إنه بطريقة ما أشبه بواجهة: هو يحمينا وفي الوقت عينه يكشفنا أمام أنظار المحيطين بنا. غير أن المشكلة تتمثل في أن الفكرة التي نكوّنها عنه نادراً ما تتماشى مع ما يعتقده الآخرون عنا. فلنأخذ مثلاً شاديا، 39 عاماً، التي تعاني من رهاب التشوّه أو المظهر الخارجي السيئ Dysmorphophobia. على غرار كثير من الفتيات، اعتبرت شاديا نفسها بدينة في فترة المراهقة وبقيت محتفظة بهذه الصورة عن نفسها حتى الآن. وعلى الرغم من الحميات الغذائية الصارمة جداً والتي تسمح لها بارتداء ثياب من مقاس 38/ 40، ما زالت شاديا ترى نفسها بدينة وكأن مقاسها 42/ 44 والعقد النفسية تنهشها.

في المحصلة: تكره شاديا جسدها ومظهرها الخارجي، تعتبر نفسها قبيحة جداً وتواجه صعوبة كبيرة في إقامة علاقة عاطفية متينة ومستقرة مع رجل. وهذا مؤسف جداً لأن شاديا بنظر الآخرين امرأة جميلة وجذابة تتمتع بأنوثة فياضة.

يشار في هذا السياق إلى أن هذه المعاناة المرتبطة بالشكل الخارجي تؤثر أيضاً وبشكل أعمق على ثقة المرء بنفسه وتقييمه لنفسه واعترافه بقدراته وبالصفات الحسنة التي يتمتع بها.

التعاطي مع شخص معقّد

أولاً، ينبغي عدم الاستخفاف بما يعانيه، لأنه سيعتبر بأن لا أحد يتفهّمه. وبذلك إلى جانب عقدته النفسية سيشعر بأنه ضعيف ووحيد. تجنبوا التفوه بتعليقات مزعجة أمامه أو إطالة الكلام عما يضايقه أو عما يعتبره وصمة عار.

إذا كان من يعاني عقدة نفسية طفلاً، يمكن تقريب الأمور بالنسبة إليه من خلال القول إن والده أو والدته لديها الميزة نفسها التي تزعجه هو في مظهره الخارجي، وبذلك سيسهل عليه تقبّل الأمر نوعاً ما. ينبغي السماح للطفل بالتحدث عما يعاني منه بحرية من دون أن يخشى إزعاج البالغين. فإذا تكتم ولزم الصمت أصبحت عقدته النفسية أكثر سوءًا. وإذا لم يتحدث مع أهله في المنزل عما يدفع أصدقاءه إلى السخرية منه، سيستمر في الاعتقاد بأن ما يعاني منه مشكلة خطيرة.

طرق للتغلّب على العقد

- تقبّل الذات

التمتع بالواقعية والشفافية. ما الداعي لأن ترغب المرأة في التشبه بعارضات الأزياء إذا كان طولها لا يتعدى 1.50 متر، يمكنها الشعور بالسعادة من دون أن تكون عارضة أزياء. وباستطاعتها تحقيق ذاتها والنجاح في حياتها من دون أن تتمتع بمظهر مثالي خالٍ من العيوب أو بشهرة نجمات هوليوود.

- التحليل

يعزو معظم من يعانون عقداً نفسية المشاكل التي تعترض طريقهم إلى عيوب في شكلهم الخارجي. مثلاً «رسبت في الامتحان لأن المراقب وجدني قبيحة»، «لم أتمكن من النجاح في مقابلة العمل والحصول على الوظيفة لأنني أعاني من الوزن الزائد». في هذه الحالات أيضاً ينبغي أخذ مسافة من الأمور واللجوء إلى تحليل منطقي شفاف للأوضاع لمعرفة الأسباب الحقيقية التي تكمن وراء حالات الرفض أو الفشل هذه.

- الحوار

تتمثل أفضل طريقة للتغلب على المشاكل في التحدث عنها مع شخص أهل للثقة. بالتالي إذا كان هذا «العيب» ينغّص عليك حياتك، أفضِ عن مكنوناتك لصديق حميم أو لأحد أفراد عائلتك فهو سيعرف كيف يقدم لك وجهة نظر أخرى صادقة وشفافة. إذا كانت هذه العقدة النفسية مرتبطة بالشكل الخارجي، يمكنك اللجوء إلى استشارة اختصاصي تجميل ليساعدك على التفكير منطقياً بهذه «الشائبة» التي تزعجك أو لإيجاد حل لمشكلتك.

- انتقاء الأصدقاء

الأشخاص الذين يعانون من عقدة نفسية لا يكونون في الوقت عينه محاطين بالأصدقاء. أياً كانت الظروف ينبغي انتقاء الأصدقاء بعناية، إذ أنه لا يمكن الوثوق بأي كان، احتفظ بصداقتك لمن يستحقها فعلاً. إذا أحطت نفسك بأشخاص يحبونك سيجعلونك تكوِّن عن نفسك نظرة مليئة بالتقدير والحب والثقة وتتنعم بتفهمهم. بالتالي على المدى الطويل يحتمل أن يساعدك ذلك في تبديل نظرتك إلى نفسك.

- تعلّم كيف تحب نفسك

لا تستطيع أن تحب الآخرين ما لم تحب نفسك. تعلم كيف تقدّرها وتكون متساهلاً معها أحياناً. إذا كانت عقدك مرتبطة بمظهرك الخارجي، ابدأ بتدليل نفسك والاعتناء بمظهرك عوضاً عن إهماله. مارس الرياضة، إخضع لجلسات تدليك. إضافة إلى ذلك يمكن للنساء مثلاً الذهاب إلى اختصاصية التجميل لتعتني ببشرتهن. والأهم من ذلك كله استمتع بحياتك.

التمتع بثقة بالنفس

مهما كان الثمن لا تسعَ إلى التميّز على جميع الأصعدة. كفّ عن وضع شروط ومعايير صارمة تلزم نفسك بالتقيد بها فهذا تصرف غير إنساني. لتكسب الثقة بالنفس، إعمل على تنمية مواهبك الجانبية، والمجالات التي لا تشعر فيها بأنك معقد، سترى أنك تستطيع فيها أن تكون الأفضل. قد يكون ذلك في عالم الرياضة أو الطهي أو الأعمال أو الفن... في النهاية المهم هو التوصل إلى جعل الآخرين يعكسون عنك صورة النجاح.

لا تختبئ مجدداً وراء عقدك النفسية وتعلم كيف تخلع القناع الذي تضعه وتكشف طبيعتك الحقيقية بكل ما تملكه من صفات حسنة وعيوب. اطمئن، لا أحد كاملاً. ولو أننا جميعنا متميزون في المجالات كافة لكان العالم حزيناً جداً ومملاً.