تلقى أمين الخزينة العمومية وأمين خزينة ولاية تلمسان، بموجب تعليمة من الوزير الأول، أوامر بمنح كل المشاريع المدرجة في إطار ''تلمسان عاصمة الثقافة الإسلامية''، بصيغة التراضي بعد الاستشارة، مما يعد خرقا مفضوحا لقانون الصفقات العمومية لأن الصفقات المعفاة من المناقصة، لا تستوفي شروط التراضي المقيدة في القانون بشكل واضح.
تتوفر ''الخبر'' على مذكرة موقعة من المدير العام للمحاسبة بوزارة المالية، بتاريخ 30 ديسمبر الماضي، موجهة إلى أمين الخزينة الرئيسي بالعاصمة وأمين الخزينة بولاية تلمسان، يتعلق موضوعها بصفقات إعادة تهيئة الهياكل وإنجاز أخرى جديدة التي ستحتضن تظاهرة ''تلمسان عاصمة الثقافة الإسلامية .''2011 وجاء في المذكرة: ''يشرفني إبلاغكم بأنه طبقا لتعليمات السيد الوزير الأول، فإن صفقات إعادة التهيئة و/أو إنجاز الهياكل الموجهة لاحتضان النشاطات الخاصة بتظاهرة تلمسان عاصمة الثقافة الإسلامية، تستفيد استثناء من إجراءات التراضي مع الاستشارة''. وأشارت الوثيقة إلى أن مرجعية المذكرة تعليمة رقم 693 صادرة عن الوزير الأول في 25 ديسمبر الماضي.
وإذا ما تم مقارنة المذكرة مع قانون الصفقات العمومية الصادر في 2002، يتضح أن الأوامر التي أعطيت لأميني الخزينة العمومية وخزينة تلمسان داست على التشريع المعمول به. فالمرسوم الرئاسي المتعلق بالصفقات العمومية، يذكر في مادته الـ20 بأن الصفقات العمومية ''تبرم تبعا لإجراءات المناقصة التي تعتبر القاعدة العامة، أو الإجراء بالتراضي''. إذن الطريقة الأصلية في عقد الصفقات هي المناقصة والتراضي هو الاستثناء. ويعرف قانون التراضي، بأنه ''إجراء تخصيص صفقة لمتعامل متعاقد واحد دون الدعوى الشكلية إلى المنافسة''.
وقد حدد القانون الحالات التي يمكن فيها اللجوء إلى إبرام الصفقات عن طريق التراضي بعد الاستشارة، وهذا على سبيل الحصر وهو موضح في مادته الـ.38 وهذه الحالات هي: عندما يتضح أن الدعوى إلى المنافسة غير مجدية أو عند عدم تسلم أي عرض، وإذا كانت العروض المستلمة غير مطابقة لدفتر شروط المنافسة. والحالة الثانية تتعلق بصفقات الدراسات واللوازم والخدمات التي لا تستلزم طبيعتها اللجوء إلى المناقصة. زيادة على حالات أخرى، تدفع إلى التساؤل عن الأسباب التي جعلت الوزير الأول أحمد أويحيى، يصدر تعليمته (رقم 693)، بإخضاع كل الصفقات ذات الصلة بمشاريع تظاهرة تلمسان، إلى إجراءات التراضي بعد الاستشارة وإعفائها من إجراءات المناقصة المنصوص عليها قانونا.
ويقع تحت طائلة تعليمة أويحيى، 12 مشروعا على الأقل (استحداث منشآت) في تظاهرة تلمسان قيمتها عشرات الملايير زيادة على أكثـر من 150 مشروع ترميم مواقع أثـرية قيمتها عشرات الملايير أيضا.
ويحرص القانون على أن حالات إبرام الصفقة العمومية عن طريق التراضي بعد الاستشارة، محدد على سبيل الحصر، ويفترض فيها أن المشاريع المتعلقة بالتظاهرة التلمسانية قد تمت الدعوى للمنافسة بشأنها وبقيت غير مجدية، أو أنه لم يتسلم أي عرض بشأنها أو أن العروض المستلمة غير مطابقة لدفتر الشروط. وهي فرضيات لا يوجد ما يؤكدها في الواقع، ويقول مختصون في القانون الإداري، تحدثوا لـ''الخبر'' دون الكشف عن أسمائهم، أن غياب الحالات التي يسمح فيها قانون الصفقات باللجوء إلى إجراء التراضي، يجعل قرار الوزير الأول انتهاكا وخرقا جسيما وواضحا لذات القانون. والأخطر أنه يحمل تحريضا على مخالفته، طالما أنه يلزم الجهات التي لها علاقة بالمشاريع بتطبيقه، وهو تصرف يقع تحت طائلة قانون العقوبات. ويكيف نفس المختصين، تعليمة أويحيى على أنها سوء استعمال السلطة، وهي جنحة تتمثل في إبرام صفقات مخالفة للتشريع المعمول به، الذي يتناوله قانون الوقاية من الفساد ومكافحته بحيث ينص على عقوبة تصل إلى 10 سنوات وغرامة تصل إلى مليون دينار.
واللافت أن تعليمة أويحيى جاءت مخالفة لتعليمات رئيس الجمهورية التي وجهها له في 13 ديسمبر الماضي، المتعلقة بتفعيل مكافحة الفساد والتي أولت للصفقات العمومية أهمية خاصة.
بعض الجهات ترجع خطوة أويحيى إلى ضرورة الإسراع في إنجاز المشاريع الخاصة بالتظاهرة بعد أن أصبح موعدها على الأبواب، لكن من المسؤول عن هذا التأخر حتى يحاسب عن تأخره، وحتى إذا كان هناك تأخر بالفعل فهل حل الإشكال لا يكون إلا بالدوس على القانون؟
__________________